كتب معن جيزاني- نيويورك مورنينغ من واشنطن: ليس مستبعدا تماما ان يقود التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر تحالفا عابرا للطوائف في المعركة الانتخابية المقبلة في العراق ليدخل رفقة القوى السنية المعتدلة وبعض التيارات المدنية والليبرالية في جبهة عريضة لهزيمة التحالف الذي يقوده غريمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يمتلك اغلبية برلمانية ويسيطر على معظم مجالس المحافظات.
يحوز الصدر رصيدا شعبيا كبيرا ومواقفه المعارضة اكسبته تأييد التيار المدني الذي انخرط في التظاهر مع انصار الصدر تحت شعارات ومطالب موحدة. اما مواقفه من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ومطالبته بحل المليشيات وانهاء دور الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة وزيارته الاخيرة للمملكة العربية السعودية ولقاء ولي العهد محمد بن سلمان كلها امور تجعل من زعيم التيار الصدري الطرف الاقرب للقوى والتيارات السنية المبعدة والمهمشة.
لكن مشكلة مقتدى الصدر انه رجل مبادرات وليس رجل مشروع، فهو يبادر لاتخاذ موقف مرحلي من قضية آنية لكنه لا يمتلك رؤية واحدة وثابتة لمعظم العقد والمشاكل التي يعاني منها العراق، لذا ترى مواقفه غير متسقة ولا مترابطة وليس هناك ما يجمعها من الناحية الجيوسياسية، الامر الذي يفقد حماسة المؤيدين لمبادراته ولا يجعلهم يعولون كثيرا على طروحاته حتى وان كانت خارج اطار الحلقة المفرغة التي يدور فيها الحدث العراقي. لم يقدم التيار الصدري منذ تشكله عام ٢٠٠٣ وحتى اليوم مشروعا وطنيا واضحا وبقي يدور في حلقة اطلاق المبادرات الارتجالية ونقضها بمبادرات معاكسة.
فعلى سبيل المثال قام الصدر بتشكيل جيش عقائدي مسلح قاتل القوات الاميركية ثم عاد وحلّ ذلك الجيش وانخرط في العملية السياسية التي اسسها بول بريمر مثلما هي دون ان يستخدم ضغوطا شعبية لاجراء تعديلات عليها. تقدم اتباعه الصفوف في الحرب الطائفية وتفوقوا في ممارسة العنف على كل الفصائل الشيعية الموازية ثم عاد وظهر متقدما الصفوف في صلوات موحدة جمعت السنة والشيعة وفي مناسبات مختلفة. هاجم التدخل الايراني في العراق اكثر من مرة ولكنه اعتكف في مدينة قم الايرانية عندما اراد الاعتكاف. انتقد الصدر عمل الحكومة ومجلس النواب وبقية مؤسسات الدولة وبقي محتفظا في ذات الوقت بممثلين له في تلك المؤسسات.
معارضو الصدر يقولون انه ارتكب اخطاء فادحة وربما قاتلة خلال مسيرته السياسية ولكنهم يعترفون ان زخم شعبيته الجارفة التي لا يمتلك اقرانه مثيلا لها كانت هي الصمام الذي ابقاه لاعبا قويا ويشغل موقعا مميزا على الخارطة السياسية العراقية. يعتبر البعض مقتدى الصدر شريكا في حفلة تقاسم الغنائم والحصص مع بقية احزاب السلطة، وهناك رأي يقول بأنه متمسك بحشد مظاهرات شعبية تحت السيطرة كتكتيك يحافظ من خلاله على زخم تياره ويحقق فيه مكاسب آنية كالعادة. وهو يلوح بهذه العصا بوجه عدوه اللدود نوري المالكي كلما احتاج الى فعل ذلك، وليس للاحتجاجات اهداف اخرى سوى ازعاج المالكي ومحاصرته سياسيا. وهنا يمكن ملاحظة الشعارات والاهداف التي يرفعها انصاره خلال احتجاجاتهم، فهم لا يقترحون شكل الدولة ولا يناقشون جوهر العملية السياسية الحالية وتنحصر مطالبهم الاساسية في تغيير بعض الاسماء المحسوبة على المالكي كرئيس المحكمة العليا واعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات وضغطوا طويلا خلال العام الماضي لالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ومن بينهم المالكي نفسه. حتى زيارته الاخيرة الى المملكة العربية السعودية فجاءت متزامنة مع زيارة قام بها المالكي الى روسيا واثارت جدلا داخليا حولها، فهل يمكن التعويل على مواقف واحداث كهذه؟
يحتاج التيار الصدري اليوم واكثر من اي وقت مضى الى مشروع وطني كبير وجامع يمكنه ان يستند الى آليات العملية السياسية الحالية ولكن بصيغة عابرة للطائفية وتحمل نزعة تجديدية تطمح الى المستقبل ولا تضع فيتو على احد وتعد العراقيين بمنظومة حكم اكثر عدالة واقل فسادا.
ربما يستطيع مقتدى الصدر ان يتجنب الاخطاء التي ارتكبتها او سقطت فيها سلطة المنطقة الخضراء خلال السنوات الماضية ليتمكن من تشييد بناء جديد. كأن يستبدل مفاهيم المرحلة السياسية الحالية التي تضع الهوية الطائفية والمناطقية فوق الهوية الوطنية ويضخ مفاهيم جديدة ولا ضير اذا ماطرح نفسه وتياره كممثل لمواطني (الداخل) اي العراقيون الذين لم يغادروا العراق خلال سنوات الحصار الطويلة في حقبة التسعينات وهم يشكلون الاغلبية اليوم. وبامكان هذا التيار ان يكون ممثلا ايضا لمن اجبرته الظروف على مغادرة العراق في ذلك الوقت اذا ما رفع شعار المواطنة والمساواة وبناء الدولة القوية والموحدة والعادلة. كما يحتاج الصدر الى التخلص من الصبغة الدينية – الشيعية الطاغية على تياره السياسي ويفتح المجال امام شخصيات ليبرالية متنوعة لتدخل في صناعة القرار وواجهة التمثيل السياسي والشعبي.
Comments are closed.